تحديات الدولار الأمريكي- الميزان التجاري، التعريفات، والتنافسية العالمية
المؤلف: علي محمد الحازمي09.29.2025

من المسلمات الأساسية في علم الاقتصاد الكلي، يترتب على تصاعد قيمة عملة أي دولة انخفاض ملحوظ في حجم صادراتها، وذلك لأن منتجاتها تصبح ذات تكلفة أعلى بالنسبة للدول الأخرى، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على القدرة التنافسية للبضائع والخدمات التي تقدمها تلك الدولة في الأسواق العالمية. منذ عام 2018، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا تجارية جمركية ضارية، بهدف تعديل الاختلالات في ميزانها التجاري، كما تدعي. تواجه أمريكا خيارين لا ثالث لهما؛ إما التضحية بقوة الدولار كعملة احتياطية عالمية وتحويل ميزانها التجاري من العجز إلى الفائض، أو الحفاظ على قوة الدولار مع استمرار العجز في الميزان التجاري. لا يمكن للولايات المتحدة أن تجمع بين قوة الدولار وهيمنته على الساحة العالمية ورغبتها في تحقيق فائض في ميزانها التجاري.
لا يوجد مبرر حقيقي لقلق الحكومة الأمريكية حيال العجز في الميزان التجاري، بل ينبغي عليها النظر إلى الاقتصاد الأمريكي بمنظور شامل. الخبر السار لإدارة ترمب الحالية هو أن قوة الدولار ليست كلها نقمة. وحتى تتضح الصورة بجلاء، فإن الدول التي تحقق فوائض في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية، ستستثمر هذه الفوائض في شراء السندات الأمريكية نظرًا لقوة الدولار، وبالتالي تمول هذه الدول ذات الفوائض الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر، وهو ما يحقق منفعة متبادلة للجميع. إضافة إلى ذلك، تتوجه غالبية أموال تلك الدول للاستثمار المباشر في الشركات الأمريكية.
تعلم إدارة ترمب علم اليقين أن التعريفات الجمركية التي فرضتها، على سبيل المثال، على الصين في عام 2018 لم تحقق النتائج المرجوة، بل على العكس، زاد العجز في الميزان التجاري لصالح الصين. غزت الصين السوق الأمريكية بشتى الطرق، وعلى رأسها تخفيض قيمة اليوان الصيني. بمعنى أنه عندما رفعت الحكومة الأمريكية التعريفات على الصين بنسبة 20%، عمدت الصين إلى تخفيض قيمة عملتها بنفس النسبة تقريبًا، وهو ما قلل من تأثير التعريفات الجمركية وأبقى السلع الصينية الخيار المفضل للمستهلك الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الصين من اقتحام السوق الأمريكية عبر دول أخرى مثل المكسيك وفيتنام.
قد يتساءل البعض؛ لماذا لا تقوم أمريكا بتخفيض قيمة الدولار، على غرار ما فعلت الصين بتخفيض قيمة اليوان، كي تصبح المنتجات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بالمنتجات الصينية؟ الإجابة بكل بساطة هي أن أمريكا لا تستطيع الإقدام على هذه الخطوة، لأن عواقبها ستكون وخيمة على الاقتصاد الأمريكي، فالدولار ليس مجرد عملة عالمية عادية. من زاوية أخرى، الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، وأي انخفاض كبير في قيمته قد يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل الدول الأخرى، وهو ما يضر بمكانته العالمية، وربما يؤدي إلى تدافع على بيع سنداتها ويزيد معدلات التضخم على أقل تقدير.
يعول المستشارون الاقتصاديون للرئيس الأمريكي على عامل الوقت فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، فهم على قناعة بأن هناك ممارسات تجارية غير عادلة تنتهجها العديد من الدول من خلال التخفيض المتعمد لقيمة العملة كاستراتيجية للرد على التعريفات الجمركية، بيد أنهم يؤمنون بأن تخفيض بعض الدول لقيمة عملتها لتقليل تأثير التعريفات الجمركية لن يستمر طويلًا، لأن العواقب الاقتصادية السلبية قد تجعل هذه الاستراتيجية غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل. فإذا نظرنا إلى الصين كمثال، فإن تخفيض عملتها بصورة مستمرة سيقلل من القدرة الشرائية للمستهلك الصيني، مما قد يحد من الإنفاق الاستهلاكي ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي. في الوقت نفسه، سيكلف الحكومة الصينية مبالغ طائلة لاستيراد المواد الخام كالنفط، مما سينعكس سلبًا على أسعار المدخلات الصناعية وبالتالي يرتفع التضخم. علاوة على ذلك، فإن تخفيض قيمة العملة باستمرار قد يثير الشكوك في أوساط المستثمرين الأجانب، مما قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات في السوق الصينية.